بين التحليل والدعاء

في غرفة صغيرة بمستشفى الأورام، كان يجلس “سالم” على سريره الأبيض، يتأمل نتائج تحاليله التي تصدر كل أسبوع وكأنها رسائل من المستقبل. كان يعرف تمامًا عدد الخلايا السرطانية، ويقرأ تفاصيل فحوصاته بدقة تليق بطبيب، لا بمريض. يؤمن بأن الشفاء رحلة منظمة، يبدأها التشخيص، ويقودها العلاج، ويشرف عليها الطبيب. كانت لديه ثقة مطلقة أن احترام المواعيد، والالتزام بالجرعات، واتباع التعليمات العلمية هي الأسلحة التي يملكها في وجه مرضه.

في السرير المجاور، كان “يوسف” يضع مصحفه على صدره، وعينه تترقب سقف الغرفة كأنما ينتظر رحمة تنزل. لا يقرأ التحاليل كثيرًا، ولا يسأل عن التفاصيل الدقيقة للعلاج. لكنه يرفع كفيه كل مساء، يتوسل ويستغيث، ويُهدي قراءته لأرواح الصالحين، يطلب شفاعتهم، ويناجي ربّه: “أنت الشافي، لا دواء يُنقذ دون إذنك، ولا ألم يُزول إلا برحمتك.”

كان الفرق بينهما واضحًا، لكن لم يكن بينهما خلاف. على العكس، تبادلا الاحترام بصمت، كأن كل منهما يعرف أن الآخر يسير في طريق مختلف… لكنه إلى ذات الهدف.

في أحد الأيام، ازدادت أوجاع يوسف. اقترب منه سالم بهدوء، وضع يده على يده وقال:
“هل تسمح لي أقرأ نتائجك؟ قد تكون هناك أدوية جديدة تناسب حالتك.”
أجاب يوسف بابتسامة باهتة:
“اقرأ ما شئت، ثم ادعُ الله أن ينفع بها.”

وفي المساء، جلسا سويًا يقرأان آيات الشفاء، وسالم يشرح تفسيرًا طبّيًا لما يحدث، ويوسف يفسرها بلغة السماء.

مرت شهور، واستقرت حالة سالم، بينما بدأ الورم لدى يوسف بالانكماش المفاجئ. الطبيب اندهش: “لا تفسير طبي واضح، لكن التحسن حقيقي.”

سالم ابتسم وقال: “ربما لأنك دعوت لي أيضًا.”
ويوسف همس بخفة: “وقد يكون الله أراد أن يريك أن الشفاء لا يسكن فقط بين صفحات التحليل.”