محمدٌ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم، كان مشهورًا بالحُسنِ والصباحةِ والاعتدالِ والتناسُبِ في السُّمرةِ، حتّى إنّه يُروى عن ابنِ عبّاسٍ أنَّ نورهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، لو قِيسَ بنورِ الشّمسِ لغلَبَهَا، وكلّما جلسَ قُربَ مِصباحٍ، ذهبَ بِنورهِ. وحديثُ أُمّ مَعْبَدٍ مَعروفٌ، وأشعارُ خديجةَ في مَدحِهِ مشهورةٌ، والتي منها:
جاءَ الحبيبُ الّذي أَهْواهُ منْ سَفَرٍ
والشّمسُ قدْ أثّرَتْ في وجهِهِ أَثَرَا
عَجِبْتُ للشّمسِ منْ تَقبيلِ وجنتِهِ
والشّمسُ لا ينبغي أنْ تُدرِكَ القَمَرَا
تعكس هذه الأبيات انبهار خديجة بطلعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتصف كيف أثرت حرارة الشمس في وجهه، ومع ذلك بقي وجهه مضيئًا كالقمر، بل إن الشمس كأنها تستأذن لتقبّل وجنتيه، فهي لا تجرؤ أن تدرك القمر – تشبيهًا مذهلًا لجماله المتفرّد.
وأيضًا:
نَوَاحي زليخَا لوْ رَأَيْنَ جَبِينَهُ
لآثَرْنَ بالقَطْعِ القُلُوبَ على الأَيْدِي
ولوْ سَمِعُوا في مِصْرَ أوصافَ وجهِهِ
لما بَذَلُوا في سَوْمِ يُوسُفَ من نَقْدِ
يستحضر الشاعر قصة زليخا ونساء مصر، ليقول لو أنهن رأين جبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لآثرن فداء قلوبهن لا أيديهن، لما في وجهه من فتنة محببة وقدسية جمال، ولو سمع المصريون أوصاف وجهه لما غالوا في ثمن يوسف، لأن وصفه وحده يكفي لإبهارهم.
وقال البوصيري: مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الكَونَيْنِ والثّقَلَيْنِ
والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النّاهِي فَلا أَحَدٌ أَبَرُّ
فِي قَوْلِ “لا” مِنْهُ وَلا “نَعَمِ”
هُوَ الحَبِيبُ الّذِي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
لِكُلِّ هَوْلٍ مِنَ الأَهْوَالِ مُقْتَحِمِ
دَعَا إِلَى اللَّهِ فَالْمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ
مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْفَصِمِ
فَاقَ النَّبِيِّينَ فِي خَلْقٍ وَفِي خُلُقٍ
وَلَمْ يُدَانُوهُ فِي عِلْمٍ وَلا كَرَمِ
هذه الأبيات من بردة الإمام البوصيري، تضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرتبة السيادة على العالمين: بشرًا وجنًّا، عربًا وعجمًا. وتبيّن عظمة خلقه وأخلاقه، ودقته في الأمر والنهي، وأن التمسك برسالته هو التمسك بحبل لا ينقطع. تفوقه على الأنبياء واضح في العلم والخلق والكرم.